سورة فاطر - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (فاطر)


        


ثم أخبر عمَّا يقولون عند دخولها، وهو قوله: {الحمدُ لله الذي أَذهب عنَّا الحَزَنَ} الحَزَن والحُزْن واحد، كالبَخَل والبُخْل.
وفي المراد بهذا الحزن خمسة أقوال.
أحدها: أنه الحزن لطول المقام في المحشر. روى أبو الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أمَّا السابق، فيدخل الجنة بغير حساب، وأما المقتصِد، فيحاسَب حساباً يسيراً، وأما الظَّالم لنفسه، فانه حزين في ذلك المقام» فهو الحزن والغم، وذلك قوله تعالى: {الحمد لله الذي أذهب عنّا الحَزَن}.
والثاني: أنه الجوع، رواه أبو الدرداء أيضاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يصح، وبه قال شمر بن عطية. وفي لفظ عن شمر أنه قال: الحزن: هَمُّ الخُبز، وكذلك روي عن سعيد بن جبير أنه قال: الحزن: هَمُّ الخُبز في الدنيا.
والثالث: أنه حزن النار، رواه أبو الجوزاء عن ابن عباس.
والرابع: حزنهم في الدنيا على ذُنوب سلفت منهم، رواه عكرمة عن ابن عباس.
والخامس: حزن الموت، قاله عطية.
والآية عامَّة في هذه الأقوال وغيرها، ومن القبيح تخصيص هذا الحزن بالخبز وما يشبهه، وإِنما حزنوا على ذُنوبهم وما يوجبه الخوف.
قوله تعالى: {الذي أحلَّنا} أي: أنزلنا {دارَ المُقامة} قال الفراء: المُقامة هي الإِقامة، والمَقامة: المجلس، بالفتح لا غير، قال الشاعر:
يَوْمَانِ يَوْمُ مَقامَاتٍ وأنْدِيَةٍ *** وَيَوْمُ سَيْرٍ إِلى الأعْدَاءِ تأْوِيبِ
قوله تعالى: {مِنْ فَضْلِه} قال الزجاج: أي: بتفضُّله، لا بأعمالنا. والنَّصَبُ: التَّعَب. واللُّغوب: الإِعياء من التَّعب. ومعنى {لُغُوب}: شيء يُلْغِب؛ أي: لا نتكلّف شيئاً نُعَنّى منه.
قوله تعالى: {لا يُقْضى عليهم فيموتوا} أي: لايهلكون فيستريحوا ممَّا هُمْ فيه، ومثله: {فوكزه موسى فقضى عليه} [القصص: 51]. قوله تعالى: {كذلك نَجْزي كُلِّ كَفورٍ} وقرأ أبو عمرو: {يُجزى} بالياء {كُلُّ} برفع اللام. وقرأ الباقون: {نَجزي} بالنون {كُلَّ} بنصب اللام.
قوله تعالى: {وهم يَصْطَرِخُون فيها} وهو افتعال من الصُّراخ: والمعنى: يستغيثون، فيقولون: {ربَّنا أَخْرِجنا نعملْ صالحاً} أي: نوحِّدك ونُطيعك {غيرَ الذي كُنَّا نَعملُ} من الشِّرك والمعاصي؛ فوبَّخهم الله تعالى بقوله: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكم} قال أبو عبيدة: معناه التقرير، وليس باستفهام؛ والمعنى: أولم نعمِّركم عُمُراً يتذكرَّ فيه من تَذَكَّر؟!
وفي مقدار هذا التعمير أربعة أقوال.
أحدها: أنه سبعون سنة، قال ابن عمر: هذه الآية تعبير لأبناء السبعين.
والثاني: أربعون سنة.
والثالث: ستون سنة، رواهما مجاهد عن ابن عباس، وبالأول منهما قال الحسن، وابن السائب.
والرابع: ثماني عشرة سنة، قاله عطاء، ووهب بن منبّه، وأبو العالية، وقتادة.
قوله تعالى: {وجاءكم النَّذير} فيه أربعة أقوال.
أحدها: أنه الشيب، قاله ابن عمر، وعكرمة، وسفيان بن عيينة؛ والمعنى: أَوَلَمْ نعمِّرْكم حتى شِبتم؟!.
والثاني: النبيّ صلى الله عليه وسلم، قاله قتادة، وابن زيد، وابن السائب، ومقاتل.
والثالث: موت الأهل والأقارب.
والرابع. الحمّى ذكرهما الماوردي.
قوله تعالى: {فذُوقوا} يعني: العذاب {فما للظالمين من نصير} أي: من مانع يَمنع عنهم. وما بعد هذا قد تقدم بيانه [المائدة: 7] إِلى قوله: {خلائفَ في الأرض} وهي الأُمَّة التي خَلَفَتْ مَنْ قَبْلها ورأت فيمن تقدَّمها ما ينبغي أن تَعتبر به {فمن كَفَر فعليه كُفره} أي: جزاء كفره.


قوله تعالى: {أرأيتُم شركاءكم} المعنى: أَخبِروني عن الذين عبدتم من دون الله واتخذتموهم شركاء بزعمكم، بأيّ شيءٍ أوجبتم لهم الشركة في العبادة؟! أبشيءٍ خلقوه من الارض، أم شارَكوا خالق السموات في خَلْقها؟! ثم عاد إِلى الكفار فقال: {أم آتيناهم كتاباً} يأمرهم بما يفعلون {فَهُمْ على بيِّنة منه}؟! قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة، وحفص عن عاصم: {على بيِّنةٍ} على التوحيد. وقرأ نافع، وابن عامر، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: {بيِّناتٍ} جمعاً. والمراد: البيان بأنَّ مع الله شريكاً {بل إِنْ يَعِدُ الظَّالمون} يعني المشركين يَعِدُ {بعضُهم بعضاً} أنَّ الأصنام تَشفع لهم، وأنّه لا حساب عليهم ولا عقاب. وقال مقاتل: ما يَعِدُ الشيطانُ الكفَّار من شفاعة الآلهة إِلاَّ باطلاً.
قوله تعالى: {إِنَّ الله يُمْسِكُ السَّمواتِ والأرضَ أنْ تَزُولا} أي: يمنعهما من الزوال والذهاب والوقوع. قال الفراء: {ولئن} بمعنى ولو، و{إِن} بمعنى ما، فالتقدير: ولو زالتا ما أمسكهما من أحد. وقال الزجاج: لمَّا قالت النصارى: المسيح ابن الله، وقالت اليهود: عزير ابن الله، كادت السمواتُ يتفطَّرْن والجبالُ أن تَزُول والأرضُ أن تنشقَّ، فأمسكها الله عز وجل؛ وإِنَّما وحَّد {الأرض} مع جمع {السموات}، لأن الأرض تدل على الأَرَضِين. {ولَئِن زالتا} تحتمل وجهين.
أحدهما: زوالهما يوم القيامة.
والثاني: أن يقال تقديرًا: وإِن لم تزولا، وهذا مكان يَدُلُّ على القدرة، غير أنه ذكر الحِلْم فيه، لأنه لمَّا أمسكهما عند قولهم: {اتخذ الرحمن ولداً} [مريم: 88]، حَلُم فلم يُعَجِّل لهم العقوبة.


قوله تعالى: {وأقسَموا بالله جَهْدَ أَيْمانهم} يعني كفار مكة، حلفوا بالله قبل إِرسال محمد صلى الله عليه وسلم {لَئِن جاءهم نذير} أي: رسول {لَيَكُونُنَّ أَهدى} أي: أَصْوَبَ دِيناً {مِنْ إِحدى الأُمم} يعني: اليهود والنصارى الصابئين {فلمَّا جاءهم نذير} وهو محمد صلى الله عليه وسلم {ما زادهم} مجيئُه {إِلاَّ نُفُوراً} أي: تباعُداً عن الهُدى، {استكباراً في الأرض} أي: عتوّاً على الله وتكبُّراً عن الإِيمان به. قال الاخفش: نصب {استكباراً} على البدل من النفور. قال الفراء: المعنى: فعلوا ذلك استكباراً {ومَكْرَ السَّيِّءِ}، فأضيف المكر إِلى السَّيِّءِ، كقوله: {وإِنَّه لَحَقُّ اليَقين} [الحاقة: 51]، وتصديقه في قراءة عبد الله: {ومَكْراً سَيِّئاً}، والهمزة في {السَّيِّءِ} مخفوضة، وقد جزمها الأعمش وحمزة، لكثرة الحركات؛ قال الزجّاج: وهذا عند النحويِّين الحُذَّاق لَحْن، إِنّما يجوز في الشِّعر اضطراراً. وقال أبو جعفر النحاس: كان الأعمش يقف على {مَكْرَ السَّيّ} فيترك الحركة، وهو وقف حَسَنٌ تامّ، فغَلِط الراوي؛ فروى أنه كان يَحْذِفُ الإِعراب في الوصل، فتابع حمزة الغالط، فقرأ في الإِدراج بترك الحركة.
وللمفسرين في المراد ب {مكر السَّيِّءِ} قولان:
أحدهما: أنه الشِّرك. قال ابن عباس: عاقبة الشِّرك لا تَحُلُّ إِلا بمن أشرك.
والثاني: أنه المَكْر برسول الله صلى الله عليه وسلم، حكاه الماوردي.
قوله تعالى: {فهل ينظُرون} أي: ينتظِرون {إِلاَّ سُنَّةَ الأوَّلِين} أي: إِلاَّ أن يَنْزِل العذاب بهم كما نَزَل بالأمم المكذِّبة قبلهم {فلن تَجِد لِسُنَّةِ الله} في العذاب {تبديلاً} وإِن تأخَّر {ولن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تحويلاً} أي: لا يَقْدِر أحدٌ أن يحوِّل العذاب عنهم إِلى غيرهم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5